الخميس، 13 يونيو 2013

هل غششت في الامتحان ... أدخل و ابكي على نفسك


تذكر 
أن الشهادة التي تحصل عليها و التي سوف تتوظف بها هي شهادة مزورة ، و بالتالي فسوف يكون الراتب الذي تأخذه حراما . 
سوف يكون مالك من حرام ، و سوف تغذي أبناءك بالحرام ، و زوجتك بالحرام . و أيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به . 



أعتذر لطلبتنا الكرام عن هذا الموضوع الصعب لأني أعلم أنكم قد اجتزتم للتو عقبة الامتحانات على قدم و ساق لكن السؤال هل يستحق هذا الامتحان كل هذه الضجة و الصخب في مقابل ما ينتظر صاحبه من عقاب ان هو غش فيه


لا شك أن الغش ظاهرة خطيرة و سلوك مشين. 
و الغش له صور متعددة ، و أشكالا متنوعة ، ابتداء من غش الحاكم لرعيته ، و مرورا بغش الأب لأهل بيته ، و انتهاء بغش الخادم في عمله . 
و حديثي سوف يكون فقط عن الغش في الامتحانات ، و الذي أصبح يشكو كثير من المدرسين و التربويين من انتشاره و فشوه . 
و هذا حق، فان ظاهرة الغش بدأت تأخذ في الانتشار، ليس على مستوى المراحل الابتدائية فحسب ، بل تجاوزتها إلى الثانوية و الجامعة . 
فكم من طالب قدم بحثا ليس له فيه إلا أن اسمه على غلافه . 
و كم من طالب قدم مشروعا و لا يعرف عما فيه شيئا . 
و بل و قد تعجب من انتكاس الفطر عند بعض الطلاب ، فيرمي من لم يغش بأنه مقعد و متخلف و جامد الخ .. تلك الألقاب . 
و لربما تمادى أحدهم فاتهم الطالب الذي لا يساعده على الغش بأنه لا يعرف معنى الأخوة و لا التعاون . 
هذه الظاهرة التي أنتجها الفصام النكد الذي يعيشه كثير منا في مجالات شتى . 
نعم لما عاش كثير من طلابنا فصاما نكدا بين العلم و العمل ، ترى كثيرا منهم يحاول أن يغش في الامتحانات ، و هو قد قرأ حديث الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من غش فليس منا ) ، بل ربما أنه يقرأه على ورقة الأسئلة ، و لكن ذلك لا يحرك فيه ساكنا . 
لأنه قد استقر في ذهنه أنه لا علاقة بين العلم الذي يتعلمه و بين العمل الذي يجب أن يأتي به بعد هذا العلم . 
و لا أبالغ إن قلت : إن ظاهرة الغش قد تسربت حتى عند بعض المدرسين 
و المراقبين . 

 أسباب الغش : هذه بعض الأسباب التي تنتج هذا الخلق المشين : 
1- ضعف الإيمان : فان القلوب إذا ملئت بالإيمان بالله لا يمكن أن تقدم على الغش و هي تعلم أن ذلك يسخط الله . 
لا يمكن للقلوب التي امتلأت بحب الله أن تقدم على عمل و هي تعلم أنه يغضب الله .
2- ضعف التربية : خاصة من قبل الوالدين أو غيرهما من المدرسين أو المرشدين . 
فلا نرى أبا يجلس مع ابنه لينصحه و يذكره بحرمة الغش ، و يبين له أثاره و عواقبه ، بل تعجب من بعض الإباء إذا قلت له ذلك أجابك مباشرة : لماذا ، هل ابني غشاش ؟ 
بل ربما لو وقع الابن في يد المراقب ، لجاء ذلك الأب يدافع عنه بالباطل . 
3- تزين الشيطان : فالشيطان يزين لكثير من الطلاب أن الأسئلة سوف تكون صعبة ، و لا سبيل إلى حلها و النجاح في الامتحانات إلا بالبرشام و الغش . 
فيصرف الأوقات الطويلة في كتابة البراشيم ، و اختراع الحيل و الطرق للغش ؛ ما لو بذل عشر هذا الوقت في المذاكرة بتركيز لكان من الناجحين الأوائل . 
4- الكسل و ضعف الشخصية : فترى كثير من الطلاب يرى زملائه من بداية العام و هم يجدون و يذاكرون و يهيئون أنفسهم للامتحان الأخير ، و هو لا هم له إلا اللعب و المرح . 
فإذا ما جاءت الامتحانات النهائية تراه يطلب المساعدة ، و يطلب النجاح و لو كان على ظهور الآخرين و لو كان ذلك بالغش . 
إن الغش هو حيلة الكسول ، و هو طريق الفاشلين . 
وهو دليل على ضعف الشخصية حيث أن الذي يغش لا يجد الثقة في نفسه بأنه قادر على تجاوز الامتحانات بنفسه و جهده و استذكار دروسه لوحده ، و من ثم الإجابة معتمدا على مذاكرته . 
5- الخوف من الرسوب : فإن الخوف من الفشل و الخوف من الرسوب يسبب قلقا مستمرا لكثير من الطلاب مما يجعلهم يلجئون إلى الغش كسبيل للنجاة . 

3- آثار الغش :أن الغش كما قلنا له أشكال متعددة ، و يدخل في مجالات شتى ، و لكن من أخطر أنواع الغش هو الغش في الأمور التعليمة ، و ذ لك لعظيم أثره و شره ، 
و من ذلك : 
1- أنه سبب لتأخر الأمة ، و عدم تقدمها و عدم رقيها ، و ذلك لا ن الأمم لا تتقدم إلا بالعلم و بالشباب المتعلم ، فإذا كان شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش ، فقل لي بريك : ماذا سوف ينتج لنا هؤلاء الطلبة الغشاشون ؟ 
ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم ؟ 
ما هو الدور الذي سيقوم به في بناء الأمة ؟ 
لا شيء ، بل غاية همه ؛ وظيفة بتلك الشهادة المزورة يأكل منها قوته و رزقه . 
لا هم له في تقديم شيء ينفع الأمة ، أو حتى يفكر في ذلك . 
و هكذا تبقى الأمة لا تتقدم بسبب أولئك الغششة بينها . 
و نظرة تأمل للواقع : نرى ذلك واضحا جليا ، فعدد الطلاب المتخرجين في كل عام بالآلاف و لكن قل بربك من منهم يخترع لنا ، أو يكتشف ، أو يقدم مشروعا نافعا للأمة ، قلة قليلة لا تكاد تذكر . 
2- أن الغاش غدا سيتولى منصبا ، أو يكون معلما و بالتالي سوف يمارس غشه للأمة ، بل ربما علّم طلابه الغش . 
3- أن الذي يغش سوف يرتكب عدة مخالفات –إضافة إلى جريمة الغش – منها السرقة ، و الخداع ، و الكذب ، و أعظمها الاستهانة بالله ، و ترك الإخلاص ، و ترك التوكل على الله .. 
4- أن الوظيفة التي يحصل عليها بهذه الشهادة المزورة ، أو التي حصل عليها بالغش سوف يكون راتبها حراما ، و أيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به . 

4- علاج الغش لاشك أن خطبة واحدة ، بل خطب لن تقاوم هذا المنكر العظيم . 
لذا كان لا بد من تعاون الجميع في مقاومة هذه الظاهرة ، كل بحسب استطاعته و جهده . 
فالأب في بيته ينصح أبنائه و يرشدهم و يحذرهم بين الحين و الآخر . 
و المعلم و المرشد في المدرسة و الجامعة كل يقوم بالوعظ ، و الإرشاد . 
بل لابد من تشكيل اللجان التي تدرس هذه الظاهرة و أسبابها و كيفية العلاج لها . 
و لكن سوف اذكّر ببعض الأمور التي أرجو من الله أن تكون سببا في الحد من هذه الظاهرة . 

أخي الكريم : 

تذكر قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من غش فليس منا ) رواه البخاري 
لاحظ أن الرسول قال : ( من غش ) ليشمل كل صور الغش ، كبيره و حقيره ، 
في المواد الشرعية أو الأجنبية ، فكل ذلك داخل في الحديث . 
فهل ترضي أن يتبرأ منك النبي صلى الله عليه و سلم . 
أي خير ترتجي إذا تخلى عنك الرسول صلى الله عليه و سلم و أعلن البراءة منك . 
تذكر أنك بمجرد أن تفكر في الغش فقد تخليت عن أهم صفة يجب أن تتحلى بها في هذا العلم . 
ألا و هي الإخلاص لله ؛ و ذلك لأنك بتفكيرك في الغش؛ يكون همك هو الدرجات و الشهادة فقط ، و هل تدري أي خطر في هذا ؟ 
إن هذه العلوم التي تدرسها ؛ أن كانت من علوم الدنيا فقد ضيعت على نفسك أعظم الأجر . 
و إن كان فيها بعض العلوم شرعية ( كالفقه و التوحيد ..) وهي مما يجب ابتغائها لوجه لله ، و لو طلبها العبد لغير الله فيخشى عليه أن يكون من أصحاب هذا الحديث : ( من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا لغرض نمن الدنيا زائل ، لم يرح رائحة الجنة ) . 
يا لله ؛ لم يرح رائحة الجنة ! 
و أعظم من ذلك كله ، أنك جعلت الله أهون الناظرين إليك . 
نعم جعلت الله الذي ( يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ) أهون من المراقب . 
كم من طالب لو وقف المراقب بجواره لأصبح قلبه يرتجف ، و أوصاله تضطرب ، و العرق يتحدر من جبينه . 
و لكن إذا ابتعد المراقب جاءت النظرات ، و جاءت المحاولات للغش و الخداع . 
أو ليس حاله يقول : 
يا رب أنت عندي أهون من هذا المراقب . 
يا رب أنا أخشي المراقب أعظم و أكثر منك . 
تذكر 
أن الشهادة التي تحصل عليها و التي سوف تتوظف بها هي شهادة مزورة ، و بالتالي فسوف يكون الراتب الذي تأخذه حراما . 
سوف يكون مالك من حرام ، و سوف تغذي أبناءك بالحرام ، و زوجتك بالحرام . 


و هنا نقطة لا بد من التنبيه عليها : ألا و هي أن بعض الطلاب يقول : أنا لا أغش ، و لكن أغشش غيري ، وهذا أهون . 
فأقول : لا والله ليس بأهون بل هو أخطر . 
فإنك إذا غششت ثم تبت فانك سوف تصحح شهادتك ، لكنك إذا غشّشت غيرك ، ثم تبت أنت من ذلك ، فأني لك أن من غششته سوف يتوب ، أنى لك أن تصحح شهادته ، أنى لك أن توقف أكله للحرام . 
و نقطة أخرى : أن بعض الطلاب يرى غيره يغش و لا يحرك ساكنا ، بل ربما قال : هذا ليس من شأني ، فأنا و الحمد لله لا أغش . 
و هذا في الحقيقة شيطان أخرس ، لأنه رأى منكرا و لم يغيّره . 
و الواجب عليه أن ينصح ذلك الطالب ، فإن لم يستطع فيجب أن يبلغ المراقب ، و أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، و لا يخش إلا الله . 
و نقطة أخرى : إن بعض المدرسين قد يحابي بعض الطلاب في بعض الدرجات و يظن أن ذلك من صلاحيته، و ربما قاس ذلك على أن من حقه أن يعطي من ماله ما يشاء . 
و هذا خطأ عظيم فالمدرس ليس من حقه أن يعطي بعض الطلاب درجات لا يستحقها 
، بل الواجب العدل ، لأنه مستأمن على هذه الدرجات ، و التي لا يملك منها شيئا ، 
و إنما هو مطبق للنظام . 
يقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين : ( فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة و يقدر درجات سلوكهم هو حاكم بينهم لان أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي . 
فإذا أعطى طالبا درجات أكثر مما يستحق ، فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره ، وهذا جور في الحكم . 
و إذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه ، فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد الناس من هو دونهم ) ا.هـ من كتاب ( نصائح في الاختبارات 12). 

فيا أخي الكريم : 

عليك أن تراقب الله قبل كل شيء ، و أن تعلم أن روحك التي بين جنبيك بيد الله ، أنفاسك التي تتردد في صدرك هي بيد الله ، فاتق الله و لا تجعل الله ينظر إليك و أنت تعصيه . 
تذكر أن الأمانة سوف تنصب على جنب الصراط ، و لن يجوز عليه إلا من كان أمينا ، و الغش ينافي الأمانة كل المنافاة . 
أسأل الله أن يسهل على أبناءنا ، و أن يحميهم من الغش و الخيانة ، و أن يأخذ بنواصيهم لما يحب و يرضى . 

المراجع : 

- نصائح في الاختبارات : للشيخ ابن عثيمين . 
- للطلاب فقط : للأخ محمد العبدلي . 
- الغش في الاختبار خيانة و انهيار للأخ أحمد بن حسن كرزون. 

ملحق الفتاوى : 
س: ما حكم الغش في أوقات الامتحان علما بأني أرى كثيرا من الطلبة يغشون و انصح لهم و لكنهم يقولون : ليس في ذلك شيء ؟ ج: الغش في الامتحانات و في العبادات و المعاملات محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : (( من غشنا فليس منا )) و لما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة في الدنيا و الآخرة . 
فالواجب الحذر منه و التواصي بتركه . ( ابن باز ) 

س: ما حكم الغش في دورة اللغة الانجليزية أو العلوم البحتة كالرياضيات و غيرها ؟ ج : لا يجوز الغش في أي مادة من المواد مهما كانت لان الاختبار المقصود منه هو تحديد مستوى الطالب في هذه المادة ، و لما في ذالك أيضا من الكسل و الخداع ، و تقديم الضعيف على المجتهد . 
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( من غشنا ليس منا )) و لفظ الغش هنا عام لكل شيء ، و الله أعلم ( ابن جبرين ) .


محمد بن عطية الجابري
 صيد الفوائد

شارك الموضوع مع اصدقائك:

2 التعليقات:

  1. khasek tjerab a5ouya 3ad dwi

    ردحذف
    الردود
    1. أخي الكريم تجربةالوقوف بين يدي الله و المرور على الصراط ليست أهون من تجربة الامتحان

      حذف